كشفت دراسة علمية حديثة أجراها باحثون من الجامعة الأميركية في الشارقة بالتعاون مع مؤسسات علمية دولية، عن نتائج واعدة تُمهّد لتحول نوعي في الزراعة المستدامة ضمن البيئات الصحراوية، وذلك من خلال الاستفادة من المجتمعات الميكروبية في أعماق التربة الجافة.
وقد نُشرت الدراسة في عدد يوليو 2025 من مجلة "ساينس" العالمية، تحت عنوان "توجيه التغذية الراجعة بين النبات والتربة من أجل الزراعة المستدامة".
التربة كمصدر حي لتعزيز خصوبة الأراضي الزراعية
أوضحت الدراسة أن التفاعلات الحيوية بين جذور النباتات والميكروبات المحيطة بها تلعب دوراً محورياً في تحسين خصوبة التربة، وتعزيز قدرة النباتات على مقاومة الظروف المناخية القاسية، مما يفتح آفاقاً جديدة لتطوير الزراعة في المناطق الجافة، مثل دولة الإمارات.
إدارة العلاقة بين النباتات والميكروبات
قال الدكتور جون كليرونوموس، أستاذ الأحياء والكيمياء والعلوم البيئية ونائب عميد البحث العلمي والابتكار في كلية الآداب والعلوم بالجامعة الأميركية في الشارقة:
"إن إدارة العلاقة بين النباتات والميكروبات بصورة علمية دقيقة تمثل تحولاً جذرياً في فهمنا للتربة وكيفية استثمارها في الزراعة المستدامة، لا سيما في البيئات ذات التحديات المناخية الصعبة".
تغذية راجعة بين النبات والتربة
ركّزت الدراسة على مفهوم "التغذية الراجعة بين النبات والتربة"، الذي يُظهر كيف تسهم النباتات في تشكيل المجتمعات الميكروبية داخل التربة، والتي تؤثر بدورها على قدرة النباتات على امتصاص العناصر الغذائية والمياه. واعتبرت الدراسة أن نجاح هذا النظام البيئي المعقد يعتمد على كيفية إدارته بطريقة علمية تسهم في تعزيز الإنتاج الزراعي أو قد تُضعفه إذا أُهمل.
تجارب ميدانية على القمح ونخيل التمر
وتعمل الجامعة حالياً على تطبيق النموذج المكتشف من خلال تجارب ميدانية على محاصيل محلية، مثل القمح ونخيل التمر، باستخدام لقاحات ميكروبية ومحفزات حيوية طبيعية، تهدف إلى تعزيز مقاومة النباتات للحرارة والملوحة.
إطلاق مجموعة الشارقة لأبحاث الزراعة المستدامة
وفي إطار دعم هذه الجهود، أطلقت الجامعة "مجموعة الشارقة لأبحاث الزراعة المستدامة" بالتعاون مع خبراء محليين ودوليين، لتعزيز الدراسات المتعلقة بإعادة تأهيل التربة ودعم الزراعة البيئية في الإمارات والمنطقة.
الميكروبات كنز غير مستغل في التربة
قالت الدكتورة جونلينغ زانغ، من جامعة الزراعة الصينية وإحدى المشاركات في إعداد الدراسة:
"إن الحياة الميكروبية تمثل مورداً غير مستغل بالشكل الكافي، وعندما نفهم آلياتها ونعززها، يمكننا إحداث تحول جذري في الزراعة يجعلها أكثر توافقاً مع النظم البيئية الطبيعية".
أهمية الممارسات التقليدية المدروسة علمياً
أشارت الدراسة إلى أن تبني بعض الممارسات الزراعية التقليدية، مثل تدوير المحاصيل، والزراعة المختلطة، والحراثة المحدودة، يمكن أن يُسهم بشكل فعّال في تعزيز وجود الكائنات الدقيقة في التربة، عند تطبيقها ضمن أسس علمية دقيقة.
التربة لم تعد مجرد وسط خامد
خلصت الدراسة إلى أن التربة لم تعد مجرد وسط خامد لزراعة النباتات، بل باتت تُشكّل نظاماً حياً يمكن استثماره بطرق علمية لدعم الأمن الغذائي، ومواجهة التغير المناخي، من خلال ممارسات تراعي استدامة التربة وحماية التنوع البيولوجي.